تمهيد:
جعل الله سبحانه وتعالى لكل نبي حرما يأوي إليه ، و قد جعل لرسوله صلى الله عليه و سلم "المدينة المنورة" حرما آمنا. حيث تغيرت بها الأوضاع بعد ذخول الرسول صلى الله عليه و سلم و انتشار الإسلام فيها ، و توحيد الأوس و الخزرج ،تحت اسم "الأنصار" فانتشر الأمن و الأمان ،وتآخى المهاجرون و الأنصار ، و بدأ عهد جديد أقام الرسول صلى الله عليه و سلم فيه الدعائم المتينة للمجتمع المسلم .
لذلك كان أول عمل قام به صلى الله عليه وسلم ، ترسيخ دعائم المجتمع و تأسيس الدولة على ضوء الأعمال الثلاثة التالية :
1-بناء المسجد
2-المؤاخات بين المسلمين عامة و المهاجرين خاصة.
3-كتابة الوثيقة (الدستور)التي تحدد نظام المجتمع بين المسلمين عامة، و بين الآخرين من يهود خاصة.
أولا: بناء المسجد
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة و الناس يتلقونه في كل الطرقات جماعات جماعات يطلبون منه الإقامة عندهم ، و يمسكون بزمام ناقته ، فيقول:
"خلوا سبيلها"فإنها مأمورة، ثم بركت ناقته في مكان ملك لغلامين يتيمين (هما :سهل و سهيل من بني النجار ) ،و دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الغلامين ،واشتراه منهما ، ثم بناه مسجدا.
عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد ، فكان ينقل بنفسه اللبن (أحجار البناء من الطين) و الجريد و الجذور، و إقتدى به المسلمون.
ثانيا:المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار
ترك المهاجرين مكة المكرمة هروبا بدينهم من الأذى و الإضطهاد الذي لحق بهم و تركوا كل شيء وراءهم ن من أموال و دور و أهل و عشيرة . لهذا جمع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين و الأنصار ، و آخى بينهم ، لتذهب عنهم وحشة الغربة ن و ليؤنسهم عن مفارقة الأهل و الوطن .
تمكن الرسول صلى الله عليه و سلم من إقامة مجتمع متعاون متكافل كتضامن ن تسوده المحبة و الأخوة ، و قد الأنصار عن قناعة بذلك، فأكرموا المهاجرين و آثروهم على أنفسهم ، فأعطوا أروع صور التضحية و الإيثار.
قال الله تعالى :
* و الذين تبوءو الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم
خصاصة و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * الحشر -9-
و بالإخاء تذوب عصبيات الجاهلية، و تسقط فوارق النسب و اللون و الجهة ،فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمقدار كفاءته و أمانته و تقواه . وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يؤاخي بين المهاجرين و الأنصار كلما أتى بعض المهاجرين إلى المدينة فالمؤاخاة لم تقع دفعة واحدة.
ثالثا:كتابة الوثيقة
أضاف الرسول صلى الله عليه و سلم لبنة قوية في بناء المجتمع الجديد ،حيث كتب معاهدة بين المسلمين و اليهود و عاهدهم، وأقرهم على دينهم و مصالحهم ، ضمن شروط واضحة، وهذا أساس قانوني يرتبط بقيمة دستورية للدولة الجديدة ، لتأمين سلامة المجتمع ،وهي تتألف من أربعة و عشرين بندا ،منها :
1-المسلمون أمة واحدة
2-يهود "بني عوف "أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم ،و للمسلمين دينهم إلا من ظلم .
3-أن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصرة على من حارب نقض هذه المعاهدة .
4-يلتزم اليهود بالإسهام في نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة.
5-من خرج من المدينة آمن ومن قعد آمن ، إلا من ظلم وأثم.